الذهب والمحروقات… ثنائي النفوذ الذي يهدد بزلزال داخل نظام الغزواني، رفع الدعم عن المحروقات، احتكار الذهب، ومنجم السلطة*

خميس, 13/11/2025 - 13:46

بنشاب : في موريتانيا اليوم، لم يعد الاقتصاد شأنًا تقنيًا، بل أصبح سلاحًا سياسيًا يُدار من داخل العائلة الحاكمة نفسها.
فبين قرار حكومي برفع الدعم عن المحروقات، واحتكارٍ شبه كامل لتجارة الذهب، تبرز أسماء محددة تتكرر في كواليس السلطة: حدّ مين ولد الغزواني وسيد أعمر ولد وياه.
كلاهما يُقدَّم في المشهد كرجل أعمال شاب، لكنّ المراقبين يرونهما رمزَين للاقتصاد الموازي الذي يغذي نفوذ العائلة. والسؤال الذي يفرض نفسه الآن:
هل يخدمان النظام… أم يحفران له حفرة من الداخل؟

 

أولًا: من هما حدّ مين وسيد أعمر؟

حدّ مين ولد الغزواني هو نائب عن بومديد، ورجل أعمال عمه الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني. يوصف بأنه «واجهة اقتصادية» للعائلة، يجمع بين النفوذ البرلماني والتأثير المالي.
أما سيد أعمر ولد وياه، فقد انتقل من قطاع التوريد والمقاولات إلى الوقود والمعادن الثمينة، وأصبح خلال فترة وجيزة أحد أبرز الوجوه الاقتصادية في العاصمة نواكشوط.

وتشير تقارير اقتصادية إلى أن الرجلين يتحكمان في مفاصل رئيسية من الاقتصاد الوطني:
من شركات المحروقات والنقل والتخزين إلى شركة موحدة لشراء الذهب من المنقبين في الشمال، وهي الشركة التي يُقال إنها واجهة استثمارية تجمعهما وتحتكر تسويق الذهب الخام.

ويُعتقد أن من بين الكيانات التجارية التابعة لهما أو المرتبطة بدائرتيهما الاقتصادية:
 • شركة “الشمال للطاقة والنقل”، التي تتولى عمليات توزيع الوقود في نواكشوط ومناطق التعدين.
 • شركة “الذهب الموريتاني الموحّد”، التي تتعامل مباشرة مع المنقبين وتُتهم باحتكار الشراء بأسعار تقل عن السوق.
 • مؤسسة توريد لوجستي ومناجم صغيرة في ولايات إنشيري وتيرس زمور، تعمل تحت مظلة شركاء محليين تابعين لمجموعتهما.

هذه الشبكة، وإن لم تُعلن رسميًا ملكيتها، تُظهر خيوط نفوذ اقتصادي واسع يغذي طبقة ضيقة من أصحاب القربى والنفوذ.

 

ثانيًا: رفع الدعم عن المحروقات… إصلاح اقتصادي أم رهان انتحاري؟

رفع الدعم عن المحروقات يُقدَّم رسميًا كإصلاح مالي ضروري لتخفيف العبء على ميزانية الدولة، لكنّه يُقرأ في الشارع على أنه نقلٌ للثروة من الدولة إلى الجيوب الخاصة.
فالشركات التي تتحكم في توريد المحروقات – والتي يقال إن حدّ مين وسيد أعمر من أبرز ملاكها – ستكون المستفيد الأكبر من ارتفاع الأسعار بعد تحرير السوق.

النتيجة المباشرة:
ارتفاع أسعار النقل والغذاء، وتآكل القدرة الشرائية، واتساع الفجوة بين الطبقة الغنية المرتبطة بالسلطة والمواطنين البسطاء.
أما النتيجة السياسية فهي أخطر: تآكل الثقة في النظام، وتحول الإصلاح إلى سخطٍ شعبي متصاعد.

 

ثالثًا: الذهب… من حلم المنقبين إلى كابوس الاحتكار

ارتفع سعر أونصة الذهب عالميًا إلى أكثر من 4300 دولار، لكن المنقب الموريتاني لا يشعر بأي مكسب من ذلك.
فالشركة الموحّدة التي تحتكر الشراء، والتي يقال إنها تحت سيطرة حدّ مين وسيد أعمر، تفرض على المنقبين بيع إنتاجهم بسعرٍ أدنى بكثير من السوق العالمي.
حتى أن بعض المنقبين وصفوا الوضع بأنه «استعباد اقتصادي بغطاء رسمي»، إذ تُمنع المنافسة وتُحدد الأسعار بقرارات فوقية.

في المقابل، تُكدّس الأرباح في المكاتب الهادئة بالعاصمة، ويُحرم آلاف الشباب من نصيبهم في ثروات بلدهم.
إنها اقتصاديات الظلّ داخل الدولة… دولة تبيع مواطنيها الوهم باسم التنمية.

 

رابعًا: الخطر القادم — «الانقلاب الاقتصادي» الذي قد يتحول إلى سياسي

ما يجري ليس مجرد خلل في إدارة الاقتصاد، بل تراكم قابل للانفجار.
فحين ترتفع الأسعار، ويُحتكر الذهب، ويُنظر إلى المقربين على أنهم ينهبون دون حساب،
يتحوّل الغضب الشعبي إلى خطرٍ أمني حقيقي.

الجيش الموريتاني، الذي يرى نفسه منذ عقود «ضامن الاستقرار»، يراقب المشهد بصمتٍ ثقيل.
وتشير بعض الأوساط السياسية إلى أن الغليان الشعبي، إذا تزايد، قد يمنح المؤسسة العسكرية المبرر القديم الجديد: التدخل “لتصحيح المسار”.

إن استمرار احتكار الموارد، ورفع الدعم بلا تعويض اجتماعي، وازدياد ثروة المقربين من القصر،
كلها عناصر تُشكّل — كما يقول مراقب غربي في نواكشوط — «خريطة انقلابات كلاسيكية تُعاد كتابتها بحذافيرها».
بكلمة أخرى: قد يكون هذا التراكم سببًا مباشرًا لانقلاب يلوح في الأفق.

 

خامسًا: تداعيات محتملة
 1. احتجاجات اجتماعية واسعة تنطلق من مناطق التعدين وتصل إلى العاصمة.
 2. انقسام داخل المؤسسة العسكرية بين جناح الولاء وجناح “التصحيح”.
 3. تآكل الثقة بين الرئيس والمقربين منه، مع تصاعد الشبهات حول تضارب المصالح.
 4. انكماش اقتصادي حاد نتيجة احتكار الوقود والذهب وتراجع العملة بفعل التضخم.

 

سادسًا: من يحفر لمن؟

قد يظن حدّ مين وسيد أعمر أنهما يحميان النظام عبر السيطرة على مفاتيح الاقتصاد،
لكن الواقع يُظهر العكس:
ما يفعلانه اليوم من احتكارٍ وتضييقٍ ونهبٍ منظم، قد يكون المعول الأول في جدار النظام.

تاريخ موريتانيا يقول بوضوح:
كلما احتكر المقربون الثروة، تهاوى النظام من الداخل قبل أن يسقط من الخارج.

 

الخاتمة

موريتانيا تسير نحو مفترقٍ خطير:
إما إصلاحٌ حقيقي يُعيد التوازن بين الدولة والمجتمع،
أو انفجارٌ بطيء سيبدأ من الاقتصاد وينتهي في السياسة.

إن لم يُراجع النظام نفسه، ويوقف احتكار الذهب والمحروقات،
فلن يكون الانقلاب القادم مفاجئًا…
بل نتيجةً طبيعية لتراكم الغضب، واحتكار الثروة، وخيانة الإصلاح.

صالون انواكشوط موريتانيا.